- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (037) سورة الصافات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، الآياتُ الثالثة و الثمانون و التي بعدها من سورةِ الصافات و هي قوله تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)﴾
و الآيةُ الثانيةُ قال تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)﴾
معنى ذلك أن رأسَ مالٍ الإنسانِ القلب السليمُ، إذْ أن أمراض الجسدِ تنتهي عند الموت، أيُّ مرض ٍ مهما كان ينتهي عند الموتِ، إلا أن أمراضَ القلبِ تبدأ بعد الموتِ، و إلى أبدِ الآبدين، فالذي في قلبه غِلٌّ و الذي في قلبه حسدٌ و الذي في قلبه كِبْرٌ إنه إعراضُ مرضٍ واحدٍ و هو الإعراضُ عن الله عز وجل، فهذه الآيةُ و هي قوله تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)﴾
وأثمنُ شيءٍ تملكه هو القلبُ السليمُ، فإذ كان قلبُك سليمًا من الحقدِ و الحسدِ و من الكِبرِ و من البغيِ و العدوانِ فأنت مع اللهِ، و اللهُ يوَفِّقك قال تعالى:
﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)﴾
أيُعقَلُ أن تعبدَ غيرَ اللهِ ؟ أيُعقَل أن يعبد ثمانمائة مليون البقر في الهند؟ أيُعقَل أن يُعبَد بوذا ؟ أو أن تُعبَد النارُ في جنوبِ الصينِ ؟ أيُعقَل أن يُعبَد ذَكَرُ الرجلِ في اليابان ؟ و أن تُعبَد الجرذانُ في الهند ؟ عندي مجلَّةٌ فرنسيةٌ فيها تحقيقٌ حول عبادةِ الجرذان و كيف يطعمونها أفخر الطعامِ و بنوا لها أعظمَ المعابدِ، أيُعقل أن تُعبَد الشهوةُ من دون الله، قال تعالى:
﴿أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا(43)﴾
قد تعبد أباك و يأمرك بمعصيةٍ، و حرصاً على مصالحك معه و على نصيب ميراثك منه، تعبده من دون الله، و قد تعجب شهوتَك، قال تعالى:
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)﴾
هذا الذي تعبده من دون الله هل ينجِّيك ؟ و لما جاء كتابٌ من يزيدِ بن معاويةَ إلى والي البصرةِ و كان عنده الحسنُ البصري و في الكتاب أمرٌ لا يرضِي اللهَ عز وجل، فوقع والي البصرةِ في حيرةٍ شديدةٍ، أيُنفِّذ أمرَ يزيدَ فيُغضِب اللهََ تعالى، أمن لا ينفِّذ أمرَ يزيدَ إرضاءً لله فيغضب يزيدُ، قال الحسنُ البصري: إن اللهَ يمنعُك من يزيدَ و لكنَّ يزيدَ لا يمنعُك من الله، هذا القولُ دستورٌ لكلِّ الناس، فإذا كنتَ مع الله كان اللهُ معك ومنعك من أعدائك، قال تعالى:
﴿أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)﴾
أي ضعيف، و معنى ضعيف أي مفتقِرٌ إلى اللهِ، لو افترضنا إنسانًا عنده آلةُ الخياطةِ يدوية، و قال لك: هذه أعظمُ آلة خياطة في العالم، و لو اطَّلع على آلةٍ حديثةٍ إلكترونيةٍ تعمل أربعين كنزة " جاكار" بأربعة ألوان في آنٍ واحدٍ، يرى نفسَه صغيرًا حقيرًا أمامها، فيظهر الإنسانُ لما يرى الأعظمَ، فإذا ما فكَّر الإنسانُ في العظيمِ يرى نفسَه عظيما قال تعالى
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)﴾
متى قال" إني سقيم " حينما نظر نظرة في النجوم، لذلك الإنسانُ إذا عزل نفسَه عن المحيط الخارجي يكبُر وهو صغيرٌ، أما إذا فكر في خلق السماوات و الأرض يصغُر فيصبح كبيرا، أما إن لم تفكِّر فأنت كبير و لكنك في الحقيقة صغيرٌ، قال تعالى:
﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)﴾
هذه الأصنامُ التي تُعبَد من دون الله لا تأكل و لا تشرب و لا تتحرَّك و لا تسمع، قال تعالى:
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)﴾
هناك ناسٌ كثيرون عندهم رغبةٌ في تشويه النصوص، يقول مثلا:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)﴾
و الله تعالى قال: فويل...ساهون" ما قال فويل للمصلين، و سكت، قال تعالى: و الله..تعملون " يقول:أعمالُنا خلقها اللهُ وليست بأيدينا، ترتيبُ سيِّدك كما يقولون، هذا النظرُ فيه افتراءٌ على الله، قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)﴾
قال تعالى:
﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(28)﴾
قال تعالى:
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)﴾
قال تعالى:
﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾
أرادوا أن يحرقوه و أضرمت نارٌ عظيمةٌ، و تصف لنا الكتبُ القديمةُ أن هذه النارَ عظيمةٌ و الله سمح لهم أن يوقدوها و كان من الممكِن أن يطفِأها الله تعالى، و سمح لهم ان يُلقوا القبضَ عليه و كان من الممكن أن يتفلَّت منن قبضتهم، و سمح لهذه النارِ أن تشتعلَ و كان من الممكن أن تأتيَ أمطارٌ غزيرةٌ تطفئها، و الله عز وجل أخَّرَ آياتِه لآخِرِ مرحلةٍ، و بعد أن أُلقِيَ في النارِ، قال تعالى:
﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)﴾
لو قال بردًا لمات من البردِ، و لو قال بردا و سلاما و لم يقل على إبراهيم لأُلغِيَ فعلُ النارِ إلى حدِّ الآن، فهذا الذي يقول للنارِ:
﴿قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ(69)﴾
هذا الذي ينبغي أن تعبده، وهذا الذي يغيِّر خصائصَ الأشياءِ، النارُ تحرقُ، و هي خاصيَّةٌ أساسيةٌ في النارِ، الذي يغيِّر خصائصَ النار هو الذي ينبغي أن تعبدَه، يا إبراهيمُ ألك من الله حاجةٌ ؟ قال: علمُه بحالي يغني عن سؤالي، ينبغي أن تعبدَ من يعلم دونَ أن تقولَ.
أيها الإخوةُ ؛ قصصُ القرآن الكريم ليستْ مقصودةً لذاتها، و المقصودُ أن تعتبِر، و أن اللهَ في كلِّ دقيقةٍ و ثانيةٍ و في كلِّ عصرٍ ومَصرٍ قادرٌ على أن يُلغِيَ خصائصَ الأشياءِ، ورمٌ خبيثٌ توقَّف وتراجع بلا دواءٍ و لا معالجةٍ، هذا الذي يقدر أن يوقِف مرضا خبيثا ينبغي أن تعبده، الإنسانُ ضعيفٌ وقوَّاه اللهُ، و الإنسانُ فقيرٌ و أغناه اللهُ، و الإنسانُ شقيٌ و أسعده اللهُ، و الإنسانُ بعيدٌ و قرَّبه اللهُ، فالذي يُسعد و يقرِّب و يغني و يقوِّي و يشفي و يحفظ، هو الذي ينبغي أن تعبده، قال تعالى
﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ(75)أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ(76)فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ(77)الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِي(78)وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي(79)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي(80)وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ(81)وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾
قال تعالى:
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾
إذا كان اللهُ معك فمن عليك ؟ و إذا كان عليك فمن معك ؟ إذا وجدتَ اللهَ فماذا فقدْتَ و إذا فقدْتَ اللهَ فماذا وجدْتَ، قال تعالى:
﴿فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)﴾
أضعفُ دولةٍ في العالَم من حيث السكانُ ؛ ثمانمائة ألف ؛ لو أن أمريكا معها لأصبحتْ أقوى دولةٍ في العالَم، أليس كذلك، مثلٌ مُنتَزَع من الأخبارِ، أنت الآنَ أضعفُ مخلوق إذا كان اللهُ معك فأنت أقوى مخلوقٍ و أفقرُ إنسانٍ إذا كان اللهُ معه فهو أغنى إنسانٍ، و أجهلُ إنسانٍ إذا كان اللهُ معه فهو أعلمُ إنسانٍ، والنبي الكريم علَّم البشَرِيَّة إلى يوم الدِّين قال تعالى:
﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام لا يقرأ ولا يكْتب، فلأنّ الله تعالى علَّمَهُ أصبَحَتْ أحاديثُهُ منتشرة في بِقاع الملِك، فإذا الواحِد دخَلَ إلى بيتٍ مِن بيوت الله لِيَطْلُب العِلم، فلْيَقُل إنِّي ذاهِب إلى ربِّي، وإذا غضَّ بصرهُ بالطريق فهذا ذاهِب إلى ربِّه، وإذا ذَكَر الله تعالى فهذا سيَذْهَب إلى ربِّه إذا ذَهَب لِيَزور صَديقًا، فهذا ذاهِبٌ إلى ربِّه، وإذا ذَهَب إلى الحج فهذا ذاهِب إلى ربِّه وإذا عُدْتَ مريضًا كنت في طاعة الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام: وجَبَت محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ، والمُتَجالِسين فيَّ،..." والله تعالى قال:
﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)﴾
ارْكُض إليه بالتَّوبة إليه، وبِعَمَلٍ صالِحٍ، وبالإقبال عليه، وبِبَذْل المال والنَّفس إليه.
وإنَّ بيوتي في الأرض المساجِد، وإنَّ زُوَّارها هم عُمَّارُها، فَطُوبى لِعَبْدٍ تطيَّب في بيْتِهِ ثمَّ زارني، وحُقَّ على المزور أن يُكْرِمَ الزائِرَ.